موقع الدكتور عمر الطالب

 

أدباء الموصل يستذكرون مواقف الأديب والأكاديمي الراحل عمر الطالب

الموسوعي يودع طلبته بكلمة (ربما)


بقلم سامر الياس سعيد

shmoail_sh@yahoo.com

 

والطالب الذي انطلق مشواره الحياتي في مدينة الموصل مطلع الثلاثينيات حقق سبقا أكاديميا متفردا بدراسته في كليتين في ان واحد محرزا شهادتي بكالوريوس في آداب اللغة العربية من دار المعلمين العالية والقانون من كلية الحقوق وحينما أكملهما درس الاقتصاد كما تفرد في مجال النقد السينمائي حاصلا علي جائزة الناقد المتميز للمسرح العراقي منتصف سبعينيات القرن المنصرم.

النخبة الموصلية من مثقفين وأدباء كانوا شهود عيان علي حياة الطالب واستذكروا مواقف جمة من تلك الحياة التي نثر عبقها في أروقة الجامعة فكانت اللحظات الأخيرة لحياته من أهم ما وقف عنده الناقد جاسم خلف الياس متحدثا عنها لـ (الزمان ) فبادر بالقول:

ان الأستاذ الدكتورعمرالطالب من أهم النخب التي عرفت بموسوعيتها وأكاديميتها حيث مارس التدريس في عدة اختصاصات الا ان تركيزه انصب علي تدريس الأدب العربي بفرعيه القديم والحديث فضلا عن كونه مبدعا في مجال الرواية والقصة وناقدا لها حيث شهد التوثيق القصصي لمساته المتفردة.

أما عن اللحظات الأخيرة فيتابع الياس قائلا :كان الطالب يحاضر لنا (طلبة الدكتوراه ) في نقد النقد حيث كان التعب قد نال منه مأخذا وقد أتت توجستاه علي وجهه فبادره احد الطلبة بالسؤال :دكتور هل سنكمل المنهج ؟ فنظر إليه الطالب ولمعان حدقتيه يوشك علي الانطفاء قائلا بصوته المميز : ربما ...!!

ويزيد الناقد جاسم خلف الياس عن اللحظات التالية فقال :بتنا نحدق في بعضنا إذ لم نألف الجواب بكلمة واحدة من الطالب في أي جواب مما أثار تساؤلاتنا بعد انتهاء المحاضرة ..بعدها نقل الدكتور الطالب الي المستشفي فيما كان حظر التجوال يخيم علي المدينة في خضم خطة فرض القانون فمنعنا من مرافقة الدكتور وبعد ان رفع الحظر جزئيا ذهبت يصحبة الدكتور نصرت محمود ومعنا الأستاذ محمد عبد الموجود الي مستشفي الموصل العام حيث كان يرقد الدكتور الطالب فكان بالنسبة لنا موقفا مؤلما لم نألفه في ان نري الدكتور وهو يعاني وطأة المرض فيما كانت حالته الصحية تزداد سوءا الي ان وافته المنية يوم الحادي والعشرون من أيار من العام الحالي ..واسترسل الناقد جاسم خلف الياس فقال ان رحيل الطالب يعد خسارة جسيمة للأكاديمية أولا وللإبداع ثانيا ففي أخر محاضرة له تكلم لنا عن كتابه الأخير (موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين ) وقد بانت علي نبرة كلامه عبارات الألم والأسي حيث كان يردد( بان الكتاب قد ظلم حيث لم يطبع بالصورة التي قدمته فيها للطباعة ولكنني سأصحح كثير من الأخطاء التي وقعت فيه إذا سنحت لي الفرصة ) واختتم الياس بالقول للأمانة العلمية فان هذا العالم الأكاديمي لم يتأثر بوطأة المرض لذلك لم ينقطع يوما عن محاضراته حيث كان يصر علي الحضور ومن ثم العطاء الثر في مختلف جوانب المعرفة.

اما الدكتور عمار احمد فاستذكر بعض المواقف الشخصية التي جمعته بالطالب فقال عندما كنت في المرحلة الأولي في قسم اللغة العربية بكلية آداب جامعة الموصل قال لي الدكتور عمر الطالب بعد ان أجبت علي سؤال مفاجئ منه :

ستكون أستاذا ناجحا لو أكملت دراستك وستكون أديبا ممتازا ..هذا الكلام زمانه كان مطلع الثمانينات وبالتحديد في احد أيام العام 82 ثم نشرت لي في العام التالي وعلي صفحات جريدة الحدباء الموصلية أول قصة وهكذا بدأت أولي خيوط العلاقة بين طالب مهووس بالأدب والفن بالدكتور عمر الطالب الأستاذ المتضلع بالأدب والفن والجمال .. وتابع الدكتور عمار قائلا :تعلمت من الدكتور الطالب كيف أكون ثائرا علي المألوف وقد استنبطت ذلك من معرفتي بخصوصية حياته واختلافه اجتماعيا وفكريا اما عن حضور الدكتور الراحل في نفس الدكتور عمار فأشار الي وسعها بالرغم من ان بعض مشاهدها يتسم بالقسوة المفرطة ومنها ما حدث في مناقشة رسالة الماجستير واصفا إياها بالحادثة الشهيرة لكن رغم ذلك فان محبتي له وإعجابي به منقطعا النظير وذكره الرائع بحقي بغيابي يجعلني اقتنع باني علي الطريق الإبداعي الصحيح والمختلف في الوقت ذاته.

اما الشاعر كرم الاعرجي فافتتح رثائيته للدكتور الراحل بكلمات تقدمها مقطع شعري أهداه الي الدكتور الطالب في احد أيام العام 94 جاء فيه :

لا وقت لك

مازلت مبهوراً برحيق الدموع

مازلت تطل من زاوية خارجة

تعبث بالخرافة ....

تفلي غرابة الأساطير

وترش بدموع البصيرة

جسورك الخارقة

وبساق ثالثة

تروم القفز

لتخطف من مناجم المحاق

أسرار البياض ...

وهكذا شاء القدر ...

وتابع الاعرجي قائلا فقدت جامعة الموصل والثقافة العراقية والعربية علماً من أعلامها وهو الدكتور عمر الطالب الذي أفني عمره من أجل التأثيث لأدب رفيع تجلله المعرفة ، كان ناقداً دقيقاً للشعرية والآداب الأخري ، وتدريسياً متخصصاً يعتز به أساتذة وطلبة جامعة الموصل ، مؤرخاً أميناً لشخصياته المختارة إبداعاً وعلماً مفتوناً بكتابة القصة والرواية والمسرح والصحافة ومهتماً بما أنتجته السينما العراقية والعربية والعالمية وله العشرات من البحوث والدراسات في هذا المجال وله من الكتب أكثر من ثلاثين مطبوعاً رئيساً ومشرفاً علي أغلب رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه في الأدب العربي وتخرجت نخباً طيبة قدمت للمعرفة طاقتها الإبداعية والعلمية، كان يقدح ويمدح من أجل الألق الإبداعي يحمل هموم الشباب ويرعي طموحاتهم وينمي فيهم شخصية المثقف متمنياً لهم التقدم في كل مجالات المعرفة يرفدهم بالمراجع التي يحتاجونها خدمة لتفعيل نشاطهم محتفياً بهم وبعطائهم خدمة للمسار الثقافي .

وزاد الشاعر كرم الاعرجي ان المغفور له كان موسوعة معرفية تمشي علي الأرض موغلاً في أعمق أعماق البحث من أجل الاكتشافات لتكوير المعني بين يديه ووضعه بضاعة جاهزة أمام الأديب والطالب المميز والقارئ الكريم .

اما الشاعر عبد الله البدراني رئيس اتحاد أدباء وكتاب نينوي فقال عن رحيل الطالب بأنه نجم أخر سقط من سماء الموصل العزيزة فيما كان طول زمان مضي متألقا يسطع بضوئه لينير الطريق لستة أجيال موصلية وعراقية اختارت طريق الإبداع الثقافي بشقيه الأدبي والفني وتابع البدراني بأنه لم يستطع تهجي الكلمات القصيرة التي تقال في مثل هذه الأجواء فكيف بي ان الحق بركب ظل يقوده طيلة هذه الأعوام الحبيسة بتداعيات الاحتلال المر.. ووصف البدراني الدكتور الراحل بأنه كان مدرسة أزلية بحق ولازالت أجيال من الأدباء يتابعون دروسها في صفوف متباينة وينتظرون ان يمنحوا شهادتها.

اما القاص سعد الدين السردار فتحدث عن علاقته بالدكتور الطالب مشيرا الي انها حديثة العهد لكنها في المقابل كانت عميقة وأشار السردار للموسوعية التي تمتع بها الدكتور الراحل ذاكرا انها انسب مكان وجدناه فيه فالطالب وعلي الرغم من ذلك كان يبدو في مواقف وشواهد كأنه طفل ينصت كما ينصتون ويصاب بالدهشة ويأتي معك الي أخر الطريق متخليا عما يجده صوابا دونما تردد ودونما حرج فهو ينصاع بعفوية وشفافية وراء كل ما هو حقيقي ومنطقي وتابع السردار في ان ما يشاع عن شخصية الطالب من مزاجه وهو جالس علي منصة المناقشة وما تعتري تلك الشخصية من تشدد رغم ان ما يحكم هذا السلوك إطار اجتماعي بحت ناجم عن الاستزادة بالنقاش والسؤال في مسائل متعددة يدور دولابها في الثقافة والأدب والفلسفة والسياسة والحياة.

 

www.omaraltaleb.com