الصفحة الرئيسة لموقع الدكتور عمر الطالب

 

أحمـد محمـود فخـري

(1863-1926)

موصليات العدد (16) / شوال 1427هـ / تشرين الثاني 2006م

بقلم الأستاذ الدكتور عمر محمد الطالب

 

ولد في الموصل حيث خرّجت عدداً كبيراً من أفاضل العلماء وهو من أسرة نقباء الموصل العلويين وكانت الموصل موئل الأدب والشعر والفقه تتلمذ على عبد الوهاب الجوادي وأجيز منه بالتفسير والحديث ثم درس على والده محمود الفخري وأجيز في البيان والعروض عيّن قاضياً في الموصل عام 1968 ووزيراً للعدلية في وزارة جعفر العسكري وعضواً في المجلس التأسيسي 1924 حتى وفاته. ترك عدداً من آثاره في علوم الشريعة وديوان شعر.

له شعر كثير في المديح ولألي الأمر والشعر الديني ويمتاز شعره بالرصانة والقوة مثل قوله :

 

لاح للأمر غيها من هداها

 

ونهاها عن الهوى قد نهاها

وصحت بعد سكرة الجهل لكن
 

 

بعد فيها بقية من صباها

هي تأبى الا الغرام وأبى

 

ان أرى الذل في اتباع هواها

وتراها طوراً تميل عناني
 

 

وتراني طوراً أطيل عناها

أيها النفس أوضح الله سبل ال

 

رشد هلا سلكت في بيضاها

ليس بعد الرشاد الا ضلال
 

 

فالى كم هذا التعامي سقاها

أنت والله في الخطا كفراش
 

 

بهوى النار نفسه ألقاها

أيها النفس أنت بين حياة

 

تتقضى وبين موت وراها

والحياة الدنيا متاع غرور
 

 

وسيفنى نعيمها وشقاها

والليالي التي ستأتي وتمضي
 

 

ويسمى بالأمس منها غداها
 

أيها النفس ان عمرك أنفا
 

 

س وان الرقيب قد أحصاها
 

فيما اذا ذهبت أنفاسك اللا
 

 

تي عليها الحساب يوم جزاها
 

أيها النفس ربما لم تعيشي
 

 

نفساً أو عيشة أو ضحاها

 

ويستمر أحمد الفخري القاضي على هذا المنوال في قصيدته التي تضم ستاً وستين ومائتي بيت من الشعر. وقد ضمنها الكثير من آيات الذكر الحكيم والأحاديث النبوية الشريفة حتى يختمها بقوله داعياً وطالباً الشفعة من الرسول :

 

أيها المرتضى الرسول الى ما

 

ية ألف أو زائد أحصاها
 

أنت للسائلين يونس كنز
 

 

أنت للمكرمات قطب رحاها
 

فالى ذاتك العلية روحي
 

 

وفدت تستجير من بأساها
 

قد تركت الورى ورائي ووجهي
 

 

لك وجهت والأسى قد تناها
 

منك أرجو المنى اذا بغناها
 

 

صدرت عن ملوكها شعراها
 

ليس الا الدنيا لديهم واني
 

 

منك أرجو دنياي مع أخراها

وعليك الصلاة ماجاً وغيث
 

 

بالمنى للوفود من كرماها
 

وعليك السلام ما فاض نور
 

 

منك يجلو عن القلوب صداها
 

 

وقد استغل أحمد محمود الفخري عدداً من المناسبات الاسلامية ولا سيما المولد النبوي للتعبير عن مشاعره الدينية وشوقه المتزايد لزيارة قبر الرسول أو مهنئاً من عاد من الحج من أولي الأمر والمعارف ولشهر رمضان مكانه في شعره للتعبير عن عواطفه وللدعوة الى التمسك بشعائر الدين أو اغتنام مناسبة العام الهجري للتنبيه بالاسلام وعظمته واستيحاء قيمه والأخلاق الاسلامية مثل قوله :

 

 

ولا تتهاون بالصلاة فانها

 

أمان ذوي الايمان عند المخاوف

 

وحافظ حقوق الله يحفظك وانتصر

 

به ترغمن بالذم شم المراعف

 

ويستعبد الانسان احسان ذي

 

الندى فكن ذا الذي مستعبد الحرواكف

 

وان تك مضطراً الى حمل منة

 

فكن رقّ فضل لأهل مرادف

 

وخذ لك بالأنفاق أحسن جنة

 

تقيك بلاء الحادثات الصوارف

 

وهل ينقص الانفاق مالاً لشاكر

 

وبالشكر تزياد الهبات الذوارف

 

ولا تؤثر الدنيا على الدين صارفاً

 

عن الحق كل العزم نحو الزخارف

 

فتحزن حرصاً ان يفت منك درهم

 

ولست على فوت الصلاة بآسف

 

ينحو بالقصيدة نحو الارشاد والنصح

 

بأمور الحياة عامة فيقول :

 

ولا تذهبنّ بالهم نفسك حسرةّ

 

فلهم أحكام السموم العواصف

 

ولم أر تفريج الهموم سوى بأن

 

ترى بقضاء الله كل مصادف

 

وشاور اذا ما رمت أمراً فكم رمى

 

أولي العقل رأي فاسد في المتالف

 

وان تر من خل ومن ذي قرابة

 

جفاء فعاتبه عتاب ملاطف

 

فان لم تعاتب من جفاك حقدتما

 

فأسرع بعتب للضغائن تأسف

 

ودع عنب ذي الأحقاد كي لا تثيرها

 

فعتبك في نيرانها كالعواصف

 

ومن صحب الأنذال حقر فاقتبس

 

بصحبة أهل الفضل حسن الظرائف

 

وشر فتى من خان عند ائتمانه

 

وخان لدى قول وبالوعد لا يفي

 

فدار شرار الناس تسلم ولا تكن

 

بعشرتهم منهم وعنهم تجانف

ولا تحسبّن أني أرى لي منّة

 

عليك فاني بعض حقك لا أفي

 

فان لم تحل عني فما أنا حائل

 

وما أنا ان لم تجفني بمهجانف

 

 

 

ونجد أن خاتمة القصيدة شبيهة بحكميات زهير ابن أبي سلمى في معلقته الا أنها تفتقد الصدق الشعري والشاعرية الجميلة لأنها مجرد تقليد خال من الأصالة والصدق الفني فهو كثير المديح لأولي الأمر وكان مطيعاً للانكليز أثناء الاحتلال لذا جاءوا به في أول وزارة في العهد الملكي ونصبوه عضواً في المجلس التأسيسي وبقي في هذا المنصب حتى وافاه الأجل.

وكتب اليه خمسة عشر كتاباً محرراً عن بعض القضاة مختلفة الأسباب الكتاب الأول من يوسف صدقي أفندي الى الشيخ ظافر أفندي الشاذلي.

 

شفتي هذه بها مستمد
 

 

من فيوضات حضرة الشيخ ظافر
 

ليت شعري وانه البحر هل في
 

 

قطره من فيوضه أنا ظافر ؟
 

حمداً لمن جعلك أيها الطبيب الروحاني المعرض عن العرض الغافي مظهر للطفه العمداني فان القلوب لم تمرض بعد أرض الأعراض البشرية الا وبحكمة من حكمك العطائية شفاؤها ولم تتكدر بكدرات الظلمات النفسانية الا وبنسمة من نسمات توجهاتك القدسية صفاؤها. فأمولا لأن يكون لترفيع وتبتي وسيلة أنشدت فيه اذ سمعت خبر ترقية :

 

عجبت لهم اذا أتحفوه برتبة

 

وقد كان مأمولاً لترفيع رتبتي
 

ألم ينظروا أن المعالي تسابقت
 

 

له وبعض من حلاة تجلت

 

على أنني لم أبرح منتظراً انجاز الوعد مستطلعاً بهمتكم من سماء العناية طوالع السعد أدامكم الله غوثاً للأنام ما دامت الأيام

التوقيع : الداعي نائب مركز ولاية الموصل

والكتاب الثامن اليه أيضاً حيث جاء فيه : أستفتح بخطاب ذلك الجناب الفاتح كنوز المعارف االالهية أبواب الفتوح وأستلمح من مطالع طوالع الطاقة الآنسة سواطع التفاتاته المعنوية وان بصري لا يزال الى ذلك طموح وأستمتع من توجيهاته القدسية فيضاً يشرق باشراق أنواره القلب وتنتعش بمشاهدة أسراره الروح.

ومن يسبل الأنظار شيخي ظافر

 

عليه ففي كل المقاصد ظافر

فوضافة للحق عمت وطابت ال

 

موارد منها في الورى والمصادر
 

فلقد طلع بعناية الله طلوع الشمس
 

 

من أفق الشريفة في السماء
 

الطريقة فأشرف على الخليفة بأنوار الحقيقة واقامه الله مقام العبودية على قدم التمكن وتحقق في تبريه عن بقايا التكوين في حضرة حقيقة اليقين حتى يقول :

اليك اشتياقي أيها المفرد في الحشا

 

عظيم ولكني على البعد صابر

لعلي أحظي منك يوماً بنظرة

 

فيطغي من الأشواق ماهو ثائر

فمنا لك التبريك يامن بصحوة

 

من الله خصته الهبات الفواخر

وعادله في العيد فيض رقى به
        

 

مقامات عز لم تنلها الأكابر
 

فلا زلت تهدي الخلق للحق في الورى

 

وفيضك بحر للحقائق زاخر
 

وترقى من العليا مقامات عزة

 

بداياتها للعارفين أواخر

 

وهو شعر أقرب للنثر ملئ بالصنعة وتمضي التحريرات الأخرى على المنوال ذاته وجميعها من نائب مركز ولاية الموصل.

وله تسعة تحريرات الأولى مقصورة على التوسل والدعاء وهي جامعة للأسماء الحسنى في صورة النداء على ما هو مشهور به في كيفية الدعاء عند العلماء وقد سميتها التوسل الأسنى بالأسماء الحسنى جعلها الله وسيلة لكل منا أنه ولي النعم والآلآء وهي قصيدة طويلة تقع في خمسة عشر ومائة بيت

يا من وعدت أن تجيب من دعا

 

أفتتح اللهم باسمك الدعا

أحمد اللهم حمد عارف
 

 

بأنه مقصرّ عن الثنا
 

مصلياً على النبي المجتبى

 

وآله وصحبه ذوي التقى

وها أنا العبد الذليل هارب
 

 

مني الى الله الكريم المرتجى
 

يارب أنني أنا العبد الذي
 

 

قد ضل عن سبل الهدى وما اهتدى
 

يارب ان لم تهدني فليس لي
 

 

رشد فكن لي منقذاً من الردى
 

يارب اني ظالم نفسي وان
 

 

لم تعف عني كنت أشقى الأشقيا
 

ويمضي على هذا المنوال الى نهاية القصيدة

أما التحرير الثاني من حضرته الى الشيخ سليمان النقشبندي المقيم في مكة :

حمداً لمن أطلعك أيها الشيخ الكامل من أفق الامداد بدراً بازغاً في سماء التوفيق والسداد مشرقاً بأنوار الهداية والارشاد.

 

لست من جملة المجيبين ان لم
 

 

أجعل القلب بيته والمقاما

وطوافي احالة السرقية

 

وهو ركني اذا أردت استلاما

 

والثالث الى قائم مقام العمادية بتبريك قدومه

قدوم له هذي الثغور بواسم                              وليس له غير الزهور مباسم

وتمضي التحريرات على المنوال ذاته مقتفياً فيه أسلوب الأقدمين.

وقد أسمى ديوانه المخطوط (التذكار الأصغر) وقدم له بثلاث صفحات نثرية بدأها قائلاً : الحمد لله الذي جعل الانسان ديوان نظم العرفان ومجمع نثر الاحسان والصلاة والسلام على سيدنا محمد علة الانشاء العالم وبيت القصيد من ذرية آدم الشمس المشرقة بأنوار الجمال من أفق الجلالة الخاتم برسالته كل رسالة وعلى آله أهل البلاغة والفصاحة وصحبه معادن الكرم والسماحة. أما بعد فيقول قليل البضاعة عديم الاستطاعة الذي لم يحسن في الأدب الصناعة ولم يروي من البراعة ذو الفكرة السقيمة والقريحة العقيمة والطبيعة الغير المستقيمة السيد أحمد بن السيد محمود فخر يزاده جعله الله مظهر التوفيق والسعادة وأنا له وآياته الحسنى وزيادة أني طالما كنت في عنفوان الشباب أرتشف لشفاه التحصيل رضاب العلوم والآداب منتظماً في سلك الطلبة متطفلاً على موائد الكتبة حتى ساقتني قضية (شرط المرافقة موافقة) الى وفاق رفاقي في محاوراتهم الرائعة ومحاضراتهم الفائقة ومسامراتهم اللائقة ومحرراتهم المتناسقة فطفقت أجاري فرسان البلاغة ولكني راجل وأطاول شهب البلاغة والفصاحة وأين الثريا من يد المتناول وأروج نقود أفكاري الزيفة بين سبائك عبق أفكارهم الخالصة وأدرج في غير حد في رسومهم التامة رسومي الناقصة فوقع لي من الشعر عدة مقاطع وقصائد متنوعة الأوضاع والمقاصد ومن النثر نمائق وآخر موافقة لمقتضيات الأحوال المتغايرة بيد أني لم أجمع فرائد شعري في عقود ولم أحفظ شوارد نثري في قيود ولم أجعل منذ استطعت على تحرير عبارة كوكباً ثابتاً من كواكب منشآتي السيارة بل رأيت الصواب تواريها بالمجاب العلمي ان نصيبي من النظم فراضة القريض وان حظي من النثر في الحضيض.ويمضي أحمد محمود الفخري على هذا المنوال حتى نهاية مقدمة الديوان.