www.omaraltaleb.com

رحـل مثلمـا عـاش في هـدوء وصمـت
الدكتور عمر الطالب الموصلي نصف قرن من الأستاذية والإبداع

 أمجد محمد سعيد

amjadpoeit2003@yahoo.com

 

مثلما عاش حياته الفسيحة، المديدة، بهدوء شديد، وبصمت متواضع، رحل عنا، وبهدوء شديد، وبصمت متواضع أيضا، الأستاذ الدكتور عمر الطالب، رحمه الله، ووري الثري، تحت تراب مدينته العريقة الموصل، شمال العراق، التي ولد فيها عام 1932 كما جاء في كتاب أعلام العراق الحديث لحميد المطبعي، ومات فيها، وكان يعشقها عشقا صوفيا، إذ ما كان له أن يغادرها، حتى يشتعل فيه الحنين إليها، ويحس بالغربة أينما يكون، دونها.
منذ فترة قريبة، تلقت الأوساط الثقافية، والأدبية، والفنية، والأكاديمية، في العراق، والوطن العربي، نبأ فقداننا الأستاذ الدكتور، الباحث، الناقد، القاص، الروائي، المؤرخ المسرحي، الأكاديمي البارز، الصحفي، عمر محمد الطالب، بأسف شديد، وحزن بالغ، لما كان يشكله، من ثروة ثقافية كبيرة، ومكانة مرموقة، في مجالات عديدة، من الكتابة، والإبداع، والبحث، والأستاذية.
أعرف الراحل الدكتور عمر محمد الطالب، أستاذا، وصديقا، منذ منتصف الستينيات، حين كان يدرسنا مادة الاقتصاد، في المرحلة الثانوية، بالإعدادية الشرقية، بالموصل، وكان حينها، يتهيأ لإكمال دراسته العليا، التي أنجزها فيما بعد، بجامعة عين شمس بالقاهرة، في مصر، في الأدب العربي، بعد أن كان قد حصل علي شهادتي بكالوريوس، إحداهما من دار المعلمين العالية في بغداد، في آداب اللغة العربية، والأخري في القانون، من كلية الحقوق في بغداد، أيضا.

ومنذ ذلك الحين، أنجز الدكتور عمر الطالب، الكثير من المؤلفات تجاوزت الثلاثين كتابا، وعشرات الدراسات، والمقالات والمساهمات الادبية، والنقدية، وأشرف أيضا علي العشرات، من طلبة الدراسات العليا، بجامعة الموصل، كما ساهم في العشرات من المؤتمرات، والندوات، والحلقات الدراسية، والمهرجانات في الموصل، والعراق، والوطن العربي.
وإذ أستعيد اليوم ذكرى الدكتور عمر الطالب، أشعر بأسف شديد، وألم عميق، وتأنيب في الضمير، انه لم يأخذ ما يستحقه، من تكريم حقيقي، في حياته الطويلة، المثمرة، ولأنه، هو ايضا، كان زاهدا بمثل هذه الأمور، عازفا عنها، وكان هادئا، متواضعا، قانعا، بما حققه، وما حققه كثير، وجديد.
غير انه كان متفرغا تقريبا، للكتابة، والقراءة، والثقافة، كما كان مهتما بالتواصل عن بعد، إن صح التعبير، مع القاريء، من خلال ما ينشره من مؤلفات، ومقالات، ومتابعات صحفية، وحتي بقراءة نتاج الشباب، وتوجيههم عبر الصحف، ناهيك عن إشرافه على دراسات بعضهم، الأكاديمية والعلمية.
كنا في السبعينيات، نزوره في صالونه الأدبي الثقافي، في منزله بمنطقة الجوسق الجملة جنوب الموصل، أسبوعيا، وأكثر من كان يحرص علي هذا اللقاء، الكاتب سعد الدين خضر، والشاعر ذو النون الأطرقجي، والقاص أنور عبد العزيز، والكاتب عبد الباري عبد الرزاق النجم، والقاص سالم العزاوي، وأستاذ الأدب يوسف البارودي، والقاص حسب الله يحيي، وعدد آخر من مثقفي وكتاب المدينة، نتداول في شؤون الكتابة والكتب، والأدب والأدباء، والفن والفنون، وكان يحرص على الاستماع إلينا، ومناقشتنا، ويحرص ايضا، علي أن تكون خاتمة الصالون الأسبوعي، عرض أحد الأفلام السينمائية الراقية، التي كان يشتريها، ويعرضها علي الفيديوتيب، أيام كان الفيديو، آخر صيحة تقنية، لعروض الأفلام السينمائية، ثم كنا نناقش الفيلم، وأفكاره، وإخراجه، وأداء ممثليه، وغير ذلك، وكان الدكتور ذو معرفة سينمائية ممتازة، وعاشقا لهذا الفن، في ذلك الوقت، الذي كان فيه المهتمون بالسينما، يعدون علي أصابع اليد الواحدة في الموصل.
اضافة الي ذلك، ظل بيته، يستقبل من يأتي الي مدينة الموصل، من الضيوف العراقيين، والعرب، وكنا نتكيء علي الدكتور عمر في ذلك، فهو الذي يوفر أفضل الأجواء، للقاءات مع القريب والضيوف.
وظل الدكتور عمر الطالب، علي نشاطه الدائب، سواء في التدريس الجامعي، او عضوية تحرير جريدة الحدباء الموصلية، او في تدفق كتاباته، وكأنه ينهل من معين لا ينضب، ومن تيار يتدفق بالجديد، وكان ألطف ما فيه، وهو أستاذنا، وشيخنا ومعلمنا، يكتب عنا، نحن تلامذته وطلابه، بكل تواضع العلماء، ومحبة المبدعين الكبار، في الوقت الذي قصر كثيرون منا، في متابعة إنجازاته الكثيرة الواضحة.
في القاهرة، حيث أقيم، أسف الكثيرون، من أصدقاء ومعارف الدكتور عمر الطالب، وخاصة من زاملوه في الدراسة العليا، من الأدباء وأساتذة الأدب، وممن ظلوا علي تواصل معه، عبر الرسائل التحريرية، التي كانوا يتبادلونها، عبر البريد العادي، غاضين النظر، عن الوسائل الجديدة، مثل الانترنت وما شابهها.
وأستعير من مقالة منشورة لصديقي، زميل الدراسة الثانوية والجامعية، الباحث الدكتور، خليل ابراهيم العلاف، أسماء بعض كتب الدكتور عمر، مثل كتابه ملامح المسرحية العربية ، وكتابه القصة القصيرة الحديثة في العراق ، وكتابه قراءة ثانية في البارودي ، وكتابه القلق والاغتراب في الشعر الجاهلي ، وكتابه الاتجاه الواقعي في الرواية العراقية ، وكتابه أثر البيئة في الحكاية الشعبية العراقية ، وكتابه أدب الأطفال في العراق ، وكتابه الحرب في القصة العراقية ، وكتابه القصة في الخليج العربي ، وكتابه نظرات في فنون الأدب ، وكتابه منهج الدراسات الأدبية الحديثة ، وكتابه القصة القصيرة في العراق بعد ثورة 14 يوليو 1958 ، وكتابه المسرحية العربية في العراق ، وكتابه كاتبات القصة في العراق ، وكتابه المسرح العربي الإسلامي ، وكتابه الرواية العربية في العراق وله مجاميع قصصية، منها خمسينيات أضاعها ضباب الأيام ، وروايات منها، روايته صراع علي مشارف قلب ، ومن كتبه النقدية للمسرح ظلال فوق الخشبة ، هذا فضلا عن مئات المقالات والدراسات والبحوث، المنشورة في مجلات موصلية، وعراقية، وعربية، منها المورد وبين النهرين، والتراث الشعبي، والجامعة، والموصل التراثية، والمجمع العلمي، وآداب الرافدين، والتربية والعلم، ودراسات موصلية وموصليات، وآداب المستنصرية، والموقف العربي.
وحتما، فإن ما تركه الدكتور عمر
الطالب، من مؤلفات ومقالات ومشروعات ثقافية مختلفة، غير منشورة، تلقي بالواجب العلمي والأخلاقي، علي كاهل الحركة العلمية والأكاديمية والثقافية، في الموصل والعراق، لتجميعها وإصدارها، بما يتناسب مع حجم إنجاز الدكتور عمر الطالب، الذي قبل أن يودعنا، أصدر عمله الموسوعي الكبير، وإنجازه المهم موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين ، فها هو ذا، يؤدي واجبه، تجاه أهله، ومدينته، وبلده، فهل نفيه حقه بعد رحيله، ونكرم ذكراه كما ينبغي.